الخطر النووي الإسرائيلي- تهديد وجودي يتجاوز فلسطين

المؤلف: د. باسم نعيم10.27.2025
الخطر النووي الإسرائيلي- تهديد وجودي يتجاوز فلسطين

على الرغم من أن "إسرائيل" تُعتبر إحدى الدول النووية على مستوى العالم، إلا أنها تتّبع سياسة الغموض النووي، ولا تعترف بصورة رسمية بامتلاكها للأسلحة النووية. وكما يُقال باللغة الإنجليزية "الفيل في الغرفة"، وهي عبارة مجازية تعني تجاهل مشكلة واضحة وكبيرة، والحديث بدلًا منها عن قضايا أقل أهمية، هذا تمامًا هو وضع الكيان الصهيوني والسلاح النووي. لقد بات معلومًا بالضرورة أن هذا الكيان يمتلك ترسانة هائلة من القنابل والرؤوس النووية، بالإضافة إلى أسلحة الدمار الشامل الكيميائية والبيولوجية.

سياسة التعتيم

على مدى عقود طويلة، دأب الكيان على إنكار هذه المعلومات، وتبنّى ما يُعرف بـ "سياسة التعتيم النووي"، ورفض بشكل قاطع السماح لأي جهة دولية بتفتيش مواقعه المشبوهة، أو الانصياع لأي اتفاقيات دولية تهدف إلى منع انتشار الأسلحة النووية. ومع ذلك، تشير التقديرات إلى أن "إسرائيل" تمتلك قرابة 90 رأسًا حربيًا نوويًا، تم تصنيعها من البلوتونيوم، بالإضافة إلى إنتاجها كميات كافية من البلوتونيوم لصنع ما يتراوح بين 100 و200 سلاح نووي.

تتولى تطوير هذه المشاريع ورعايتها مجموعة من المعاهد والمؤسسات العلمية الهامة، من بينها معهد "إسرائيل" التقني (التخنيون)، ومعهد "وايزمان" للعلوم، ومؤسسة الطاقة الذرية "الإسرائيلية"، بالإضافة إلى الجمعية الإسرائيلية للأشعة.

تشير تقارير عديدة إلى أن هذه الأسلحة موزعة على سبعة مواقع مختلفة، أبرزها موقع ديمونة الذائع الصيت. كما يُشاع أن جميع هذه المواقع قد تم بناؤها في مناطق قريبة من التجمعات السكانية العربية.

مفاعل ديمونة، الذي أُنشئ بمساعدة فرنسية في عام 1957 بناءً على اتفاق سري مع الكيان الصهيوني، يمرّ حاليًا بمرحلة خطيرة وحساسة، وذلك بسبب انتهاء عمره الافتراضي منذ ما يزيد عن 22 عامًا. واستنادًا إلى التقارير العلمية والصور التي التقطتها الأقمار الصناعية الفرنسية والروسية، والتي نشرتها مجلة "جينز انتلجنس ريفيو" المتخصصة في الشؤون الدفاعية والصادرة في لندن عام 1999، يعاني مبنى المفاعل من أضرار جسيمة نتيجة للإشعاع النيتروني. هذا الإشعاع يتسبب في تكوّن فقاعات غازية صغيرة داخل الدعامات الخرسانية للمبنى، مما يجعله عرضة للتصدع والانهيار، ويتحول إلى مصدر محتمل لكارثة إنسانية قد تودي بحياة مئات الآلاف، بل وربما الملايين من البشر. ويؤكد الخبراء أن التسرب الإشعاعي من المفاعل يشكل خطرًا كبيرًا، ويتسبب في انتشار أمراض السرطان بين سكان المناطق المحيطة بالمفاعل والعاملين فيه على حد سواء.

اختلال الموازين

تجدر الإشارة إلى أن الكيان الصهيوني يُعدّ من بين الدول القليلة التي تمتلك القدرة على استخدام السلاح النووي براً وبحراً وجواً. فإسرائيل لديها مخزون كبير من القنابل النووية والصواريخ ذات الرؤوس النووية، بالإضافة إلى الغواصات النووية القادرة على إطلاق الصواريخ من أعماق البحار.

تكمن المخاوف الحقيقية في الاختلال الواضح في موازين القوى العالمية، وفي التفرّد الأميركي بدور شرطي العالم، الذي يفتقر إلى القيم النبيلة والأخلاق الكريمة. لطالما كانت الولايات المتحدة، على مدى عقود طويلة، الحامي والداعم لهذا الكيان المارق، بما في ذلك قدراته النووية. ففي الوقت الذي تسعى فيه الولايات المتحدة جاهدة لملاحقة كل من يفكر في تطوير قدراته النووية، وتفرض عليه أشد العقوبات، فإنها توفر الغطاء الكامل والحماية المطلقة لهذا الكيان المتهور.

في صلب موضوعنا اليوم، تكمن حقيقة أن فكرة امتلاك الكيان الصهيوني للقدرات النووية كانت بمثابة هاجس يؤرق العالم بأسره، وذلك خشية استخدامه لهذه الأسلحة في أي لحظة. وقد دأبت القيادة الصهيونية على الادعاء بأن هذه القوة هي أداة للردع، دون الاعتراف الصريح بامتلاكها، والتأكيد على أن الكيان دولة مؤسسات تحكمها أنظمة عمل وقرارات محكمة لا تسمح بأي هامش للخطأ.

في عام 2006، أقرّ رئيس الوزراء الصهيوني آنذاك، إيهود أولمرت، ضمنيًا بامتلاك "إسرائيل" للسلاح النووي، وذلك في حديث أدلى به لإحدى القنوات التلفزيونية الألمانية، حيث قال: "هل يمكنكم القول إن الأمرين متساويان عندما يتطلعون (الإيرانيون) لامتلاك أسلحة نووية، مثل أميركا وفرنسا وإسرائيل وروسيا؟". كما صرح الرئيس الأميركي الأسبق، جيمي كارتر، في تصريحات نشرتها صحيفة "تايم" اللندنية، بأن "إسرائيل" تمتلك ما يقارب 150 رأسًا نوويًا، إلا أن "تل أبيب" لم تبالِ بالرد عليه. وفي هذا السياق، لا يمكن إغفال ما شهده العالم أجمع، حين قام الموساد الإسرائيلي باختطاف الفني النووي المغربي الأصل، أفيغدور فعنونو، من بريطانيا عبر إيطاليا، ونقله قسرًا إلى الكيان الصهيوني، وذلك بعد أن قام بتسليم العديد من الوثائق الهامة التي تكشف تفاصيل حول المفاعل النووي في ديمونة.

إذا كانت هذه الفكرة النظرية قابلة للتسويق في الماضي بأي شكل من الأشكال، فإننا اليوم نواجه خطرًا حقيقيًا وجسيمًا يلوح في الأفق، وذلك بعد التصريحات المثيرة للقلق التي أدلى بها قادة الكيان وحلفاؤهم في الولايات المتحدة، في خضم معركة "طوفان الأقصى" التي اندلعت في السابع من أكتوبر.

ففي أكتوبر 2023، دعت ريفيتال "تالي" جوتليف، عضو الكنيست عن حزب الليكود الحاكم، إلى استخدام سلاح يوم القيامة النووي ضد قطاع غزة وتسويته بالأرض. وفي السياق ذاته، لم يستبعد وزير التراث "الإسرائيلي"، عميحاي إلياهو، في نوفمبر 2023، إمكانية إلقاء قنبلة نووية على قطاع غزة، ردًا على سؤال أحد الصحفيين حول ما إذا كان يتوقع أن تلقي "إسرائيل" "نوعًا من القنابل النووية غدًا على غزة؟"، معتبرًا أن هذا الخيار "إحدى السبل" المتاحة للتعامل مع القطاع.

خطر داهم

لم يقتصر الأمر على تصريحات المتطرفين داخل الحكومة الإسرائيلية، بل امتد ليشمل شخصيات بارزة في الولايات المتحدة. ففي مايو 2024، أيّد السيناتور الجمهوري الأميركي، ليندسي غراهام، هذه الأطروحات الكارثية والمجنونة، مؤكدًا "أنه يحق لـ "إسرائيل" تسوية قطاع غزة بالأرض باستخدام سلاح نووي لإنهاء الحملة العسكرية، كما فعلت بلاده بمدينتي هيروشيما وناغازاكي في الأربعينيات".

إننا اليوم أمام حقائق دامغة لا يمكن لأي محب للسلام والخير للبشرية أن يتجاهلها، أو أن ينشغل بأي قضية أخرى سواها. فنحن أمام دولة تمتلك كل أسلحة الدمار الشامل، وقيادة متطرفة ومنفلتة من كل القيود.

قد يدعي البعض أن "إسرائيل" دولة مؤسسات، ولن تسمح لهؤلاء المتطرفين بالوصول إلى الزر النووي، وأن الولايات المتحدة الأميركية لن تسمح للكيان بارتكاب مثل هذه الحماقة. ولكننا نسأل هؤلاء: من كان يتخيل أن يصل بن غفير إلى منصب وزير الأمن في الكيان، وهو المتهم بالمشاركة المباشرة في اغتيال رئيس وزراء الكيان السابق، إسحق رابين، والمدرج على قوائم الإرهاب حول العالم، بما في ذلك الولايات المتحدة؟ بل إن حركة "كاخ" التي ينتمي إليها بن غفير قد حُظِرت في الكيان، وأُدرجت على قوائم الإرهاب.

من كان يتخيل أن أحد فتيان التلال، والمتهم بالعديد من القضايا الجنائية والأمنية، "بتسلئيل سموتريتش"، سيصبح وزيرًا للمالية ونائب وزير الدفاع المسؤول عن حياة ملايين الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس؟ هل كان أحد يتوقع أن رئيس مجلس الاستيطان في الضفة الغربية، نفتالي بينيت، سيصبح رئيسًا لوزراء الكيان، وبالتالي سيصبح "الزر النووي" تحت تصرفه بحكم منصبه؟

إننا نواجه حالة طوارئ حقيقية، لا تخص الفلسطينيين وحدهم، بل تهم البشرية جمعاء. يجب التحرك العاجل والسريع لتفكيك هذه المنظومة الخطيرة والمجنونة في الوقت نفسه. عقارب الساعة تدق بسرعة، والخطر يداهمنا، وعلى الجميع أن يتحمل مسؤولياته.

وأخيرًا، نتقدم بالشكر والتقدير للمقاومة الباسلة ولشعبنا المحب للسلام والخير للجميع، الذي صمد وتحدى هذه الظاهرة المارقة، رغم التضحيات الكبيرة والمؤلمة التي قدمها، والتي كشفت للعالم حقيقة هذا الكيان، الذي حاول إخفاء طبيعته العنصرية البغيضة على مدى عقود طويلة، وترويج صورة مضللة عنه.

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة